احمل قلمك، واكتب. قلْ ما يجب قوله على صفحات بيضاء. إذ لا يجوز أن تبقى الصفحات بيضاء.
اكتب للناس جميعًا. "لا تخفْ من وجوههم". إن كنت تحبّ الله وتحبّهم، فسيقرأون حبّك، ويفهمونه. وإن كان عندهم ما يقولونه لك عمّا كتبته، فثق، إن كانوا من أحبّاء الله، بأنّه سينفعك، ويعبّد لك درب غناك. وإذا حسبوا أنّك غير نافع، أو أنّك تتعدّى على عمل ليس لك، فاكتب من جديد، حتّى يصلحوا حسبانهم، وتتمرّس أنت بتقديم ما يجب تقديمه بطريقة مقنعة، وتربحهم، ويربحوك، ويربحكم الله جميعًا.
اكتب عن الخير وبقائه. وأمّا كلّ عيب تراه في الناس، فاحسب أنّ الروح دلّك عليه، واكتب عن إصلاحه. فالعيب عيب، إن بقي. وقد يصبح عيبك، إن رأيته، وصمتَّ، أو جفّ حبرك. ولا تنسَ أنّ الروح هو روح إصلاح ومصالحة. هو لا يريك شيئًا، ليبقى فيك ولك. فقد يمرّرك عيب دلّك الروح عليه، لتفضحه بمحبّتك، وتنتفع، وتنفع. اكتب، هذا أمر من الروح. الروح يريدك أن تكتب، حتّى لا يقطع وحيه عنك. والويل لك، إن قطع الروح وحيه.
ربّما تظنّ أنّ الناس لا يقرأون، أو لا يريدون أن يقرأوك، أو أنّك أصغر من أن تُقرأ. لا تقبل وحيًا غريبًا. و"لا تستخفّنّ بشبابك". فهم لا بدّ من أن يقرأوا. وإن لم يقرأ من ترجو أن يقرأوا، فقد يقرأ آخرون لم تقصدهم أنت. الكلمة، التي تكتبها حبًّا على ورق، لا بدّ من أن يستحليها أحد. ومن استحلى الكلمة، كان هو المقصود. لا ترفع نفسك فوق الناس. ولا تحسب أنّهم لا يستحقّون تعبك. إنّ في هذا الحسبان لإدانةً. والربّ منعنا منها. ولا تقل، إن كتبت يومًا، إنّك كتبت، وإنّهم رموا صفحات غالية على قلبك في سلّة مهملاتهم. هذا سوء ظنّ، ولو حدث فعلاً. وهذا تقدير لنفسك لم تعطَ أنت أن تقرّره. فالتقدير لربّك. وهو يقرّر تقديرك، في يومه، إن كنت تستحقّ التقدير، "ويكتب اسمك في سفر الحياة".
احمل قلمك، واكتب. ولا تقل إنّك مشغول. إن كنت تحمل كلماتك، فسيتعبك حملها. فرّغها على ورق. فتّش، جاهدًا، عن وقت، لتفعل. ولا تقبل أن يسودك انشغالك، ولا أن تبرّره بما لا يجوز. ولا تنسَ أنّ قبول ضغط الانشغال منقصة وتهاون. انفض عنك كلّ ما يعتريك من نقص. انفض عنك كلّ تهاون، واكتب. هذه فرصتك لتتحرّر، وتبقى حرًّا.
لا أحد يعدك، إذا كتبت، بالراحة. فستتعبك صياغة الكلمات. ولكنّها، في الوقت عينه، ستخفّف من تعبك، وتزيله. فإن حملت قلمك، فستكتشف، في أعماقك، أنّ الروح هو الذي يحملك. فأنت، إن كتبت يومًا، لا بدّ من أنّك اختبرت أنّ ما وضعته كان من تلقيح الروح. وإن لم تفعل بعدُ، فستكتشف، إن فعلت، أنّ الروح يفتّش عن شريك، ليلقّحه. اكتب إن كنت كتبت، أو لم تكتب. اكتب، حتّى لا يحرمك الروح شركته، ويميتك العقم.
احمل قلمك، واكتب لنفسك. ليست هذه أنانيّةً، أو تعاليًا. إنّها خضوع للكلمة. فأنت، إن لم تعتبر نفسك أوّل المبلَّغين، فلن تحسن الكتابة. الربّ، وحده، فوق التبليغ. وأنت لست إيّاه. احمل قلمك، واكتب لنفسك، حتّى تحسن صياغة نفسك، وتحسن الطاعة ودوامها، وتتنقّى. لا تضيّع هذه الفرصة. الفرصة لا تسنح دائمًا. فربّما لا تؤتى سواها. راقب نفسك جيّدًا، وأوجعها بكلماتك. فإن لم تؤلمك الكلمة، فلا شيء في الدنيا سيؤلمك. ومن لا يتألّم، لا يفتّش عن دواء. ودواؤك الكلمة. هي، وحدها، تؤلمك، وفي آنٍ تشفيك. لا تمت نفسك بأوهام غير نافعة. واذكر أنّ الأموات، وحدهم، لا يتألّمون. ابقَ حيًّا وحسّاسًا، يُرِكَ الله سبل بقائك حيًّا. فـ"الله إله أحياء، وليس هو إله أموات". ابقَ حيًّا به، تعطَ زاد الحياة الباقية لك وللذين "يحبّون ظهوره".
عدْ نفسك بأنّك ستكتب. هذه مصالحة واجبة قَبْلَ أن تفعل. أكرّر قولي لك: لا تخف من وجه أحد، ولا من أن تفعل. فروح الله معك، وفي قلبك، وكثيرون بانتظار أن تكتب. فاحمل قلمك، واكتب.