تعبت من كثرة الصدمات، ومن عنف الصدمات. كنت أحسب نفسي أقوى. ما زلت أذكر أولى الصدمات التي مرّرتني. هذه تلقّيتها في مطلع خدمتي. المؤمنون، الذين كنت قد أخذت أخدمهم، لم أكن أعرفهم جيّدًا. الصدمة ممكنة في سياق جهل. تحسب شيئًا، وتلقى أشياء. يمكنني أن أعرف أنّ الصدمات يصعب أن تلوي بالغًا لويَ طفل. لكنّها ما زالت تلويني. يبدو أنّني لم أبلغ بعدُ. متى أترك طفولتي؟
من تفاصيل طفولتي لا أذكر الكثير. لكنّني قادر على أن أؤكّد، لا سيّما لنفسي، أنّ طفلاً كنتَهُ لا يتركك. كلّ منّا طفل، إن كبر، تكبر قامته! هذا نحن. ممّا لا أذكره من تفاصيل طفولتي، الصدمات. ثمّة أشياء قليلة ما زالت أمام عينيَّ. هل لهذا الجهل من سبب؟ أعتقد أنّني، في أيّام طفولتي كلّها، لم أبنِ حلفًا أبديًّا مع أيّ إنسان عرفته. أجل، مع أيّ إنسان، أيًّا كان. في طفولتي، لم يعلّمني أحد أنّني عضو في عائلةٍ كبيرةٍ لها آب واحد هو الله. هذا شابًّا عرفته. حتّى أترابي كان بإمكاني أن أهجرهم كلّهم من دون أيّ حرج. اليوم، يحزنني أيّ هجر. هذا من علمي بأنّني أخ لإخوة كثيرين. أكره الخطايا، هذا شيء آخر.
ما أنا عليه اليوم، يؤهّلني لأن أعرف أنّني كنت أنا نفسي قَبْلاً. كثيرون سواي يعرفون الناس أكثر منّي. زوجتي مثلاً. ابنتي مثلاً. وبعض أصدقاء هم لي أكثر من إخوة. كلّهم يسبقونني إلى معرفة الناس، معظم الناس. وأحيانًا، يخلّفونني غير مقتنع بمعرفتهم، أو يخلّفونني مصدومًا! لا يصدمني اكتشافي، مبكرًا أو متأخّرًا، أنّ أيًّا منهم على حقّ، بل يصدمني ما يجعله (أو يجعلها) على حقّ! هل ما أقوله يتضمّن إقرارًا بأنّني المسؤول الوحيد عمّا يصيبني من صدمات تتعبني؟ كنت أفضّل أن يكون العالم أفضل!
أتكلّم على الإخوة، على الصدمات التي تأتي ممَّن لنا معًا أحلام واحدة وروايات واحدة. البعيدون قد تأتيك منهم صدمات. لكنّ الصدمة لا تؤلم من بعيد كما تؤلم صدمة من قريب. كثيرًا ما طالبت نفسي بأن أمتنع عن وضع الناس في مكان واحد. لكنّني لم ألتزم. لا أعني أنّني مَن يخفضهم من مكانهم. أعرف الكلام الرسول الذي حذّر فيه الواقف من السقوط. وعلى ذلك، أرى إلى معظم الناس كما لو أنّهم جبال صلدة. يرقص قلبي فرحًا من أيّ لمعة تبيّن أنّ السماء ما زالت تنعطف على دنيانا. ولكنّني أتلقّى أيَّ ما يصدم، (أيَّ ما يُبدي أنّ جبلاً سقط)، كما لو أنّ ما أتلقّاه يحدث أوّل مرّة. هذا شأن الأطفال، لا بأس إن كرّرت! كيف تسقط الجبال؟ كيف، أو مِمَّ؟ لن أخفي أنّني قادر على أن أقدّم عن هذا السؤال جوابًا يقنعني. هذا لا أقوله تبجّحًا. إذًا، أعرف! أعرف ما الذي يُسقط الجبال من مكانها. لكنّني، الآن، أعترف بما يصيبني. كلّ ما يأتي من الآخرين، لا أريد أن أدخله في مجال اعترافي. مَن يرغب في الاعتراف، فليفعل. أرجو أن يفعل. لا، لن أدوّن على هذه الورقة حرفًا ممّا أقول إنّني متأكّد منه. بياض الصفحات أصلح الآن.
كيف أربّي نفسي على أن أكون شخصًا أقوى؟ يبدو أنّني، بلا إخوتي، لا أريد أن أكون أقوى! إذًا، ماذا أفعل في صدمات تتعبني؟ كيف [quote align="left"]الجماعة، التي توافق حياتها ما رواه العهد الجديد حرفًا حرفًا، هي التي لا يكفّ كلّ مؤمن فيها عن أن يعطي الآخرين وجهه.[/quote]أبقى أذكر أنّني عضو في بيئة صادمة؟ كيف أذكر أنّني (وأنّهم) بشر من لحم ودم؟ كيف أبلغ؟ كيف أبلغ، أي كيف أتعلّم أن أتلقّى الصدمات كما يتلقّاها شخص بالغ؟
لي خوف في نفسي ومن نفسي. أخاف أن تغافلني نفسي بما زلت أظنّ أنّه لا يوافقني. هل، تراني، أشترط على بيئتي أن تكون أفضل؟ لا، بل أتابع اعترافي. إن كانت لي مخاوف، لا يكون اعترافي كاملاً إن لم أعلن أنّ لي مخاوف. لست قادرًا على أن أحدّد بما ستغافلني نفسي. هذا أنتظر أن أعرفه فيما أغدو أقوى. أنتظر أي أرجو. أرجو سريعًا أن أغدو أقوى. نجاتي في قوّتي. هذه، عينًا، معنى "قوّتي في الضعف تكمل". لم أدّعِ، في هذا الاعتراف، أنّني، ما دمت تكلّمت علنًا، سأنجو؟ ما هو حلّي؟ أعرف أنّ تباشير أيّ حلّ، من هذا النوع، أن يعرف كلٌّ منّا هواجس الخطأ الذي يواجهه. هذا حدث لي. وعليَّ أن أسعى إلى أن أتخلّص من هذا الإغراء المقيت. أمّا إن أحبّ أخ، قرأ اعترافي، أن يساعدني، فهذا يفرحني. هذا أرجوه أيضًا. "كلّ أخ مرشدي". هذا إيماني. هذا دوّنته في مكان آخر. هذا لا يعوزني أن أعترف به. هذا يعرفه كثيرون. هذا لا بأس إن كرّرته مرّةً أخرى. هذه رؤية العهد الجديد عن استقامة الحياة الجماعيّة. إنّني أردّد. أرجو، نحن الذين نعي أنّنا إخوة، أن نصالح، باستمرار، أنّنا إخوة. كيف أوضح قولي؟ ماذا أرى أنّنا نفتقد؟ لا أخرج عن اعترافي. أرى أنّ الكثيرين بيننا كما لو أنّهم لا يعرفون أن لهم وجوهًا. متى نسينا أنّ لكلّ منه وجهًا؟ مَن دفعنا إلى أن نخلّف أنّ هذه هي قاعدة الحياة المشتركة في الجماعة المسيحيّة. يحزنني أنّ الكثيرين أبعدوا أنفسهم عن شركة الوجوه. يصدمني أنّنا، كثيرين، نبدو كما لو أنّ كلاًّ منّا منقبض على ذاته. ما لي وللآخرين! ولكن، هذه بيئتي! إن كان لي أن أنصدم في وسطِ جماعةٍ أنتمي إليها، فحقّي أن أنتظر الفرج في وسطها. أعرف نفسي. الجماعة، التي توافق حياتها ما رواه العهد الجديد حرفًا حرفًا، هي التي لا يكفّ كلّ مؤمن فيها عن أن يعطي الآخرين وجهه. هذا يدلّ أنّنا، جماعةً، نحبّ الكلمة، الكلمة المتجسّد.
لا أعلم إلى متى سيبقى تعبي يلازمني. إن كانت راحتي رهن بي، فيمكنني أن أرجّح أنّ التعب، تعبي، قد يطول. في أمر الراحة التي أقصدها في هذا الاعتراف العلنيّ، لم أتّكل على نفسي يومًا. اتّكالي هو على الواحد. اتّكالي هو على الله الذي أعلى ما يدهشني فيه أنّه "يعرف كلّ شيء"!