11أبريل

أشفق على الجمع

آخذ من المرّات التي كشف العهد الجديد فيها أنّ يسوع أبدى عطفًا ظاهرًا على الناس، قوله لتلاميذه تمهيدًا لحادثة تكثير الخبز في البرّيّة: «إنّي أشفق على الجمع» (مرقس ٨: ١-٩). كان الناس يتبعون يسوع من كلّ حدب وصوب. بعضهم، كما قال هو عنهم، «أتوا من بعيد». الخبر الإنجيليّ يريدنا أن نرى أنّ الناس اختاروا يسوع كما لو أنّه هو زمانهم ومكانهم، بل هو كلّ شيء باقٍ لهم. كانوا جميعًا في مكان قفر. كان النهار قد مال، بل كان لهم ثلاثةُ أيّام مأخوذين بهذا المعلّم الجليليّ، بما يقوله وبما يفعله. في هذا الجوّ الذي كلّه انبهار، انفرد يسوع بتلاميذه، وقال لهم: «إنّي أشفق على الجمع... لا أريد أن أصرفهم صائمين، لئلاّ يُخوِّروا في الطريق». ثمّ أطعمهم، وصرفهم.

هذا يرسم لنا اعتقادًا أن ما من أحد، في هذا الكون، يمكنه أن يختار يسوع لنفسه، زمانًا ومكانًا بل طعامًا وشرابًا، أي يختاره حياةً له، إن لم تسكنه قناعة أنّ الله لا يعطينا ما يعطيه لخيرٍ فينا، بل لأنّه إله يشفق على الناس. لا أحد يستحقّ من الله شيئًا، أيّ شيء. لكنّ الله لا ينظر إلى استحقاقنا (الاستحقاق، دفعًا إلى عمل الله، لا يقوله عاقل)، بل إلى ما يجعلنا الأعظم في عينَيه، أي إلى عطاياه المقبولة. هذا يشجّع على القول، بثقة، إنّ كلمة «أشفق» لا تكشف عواطف مكنونةً في يسوع أو ظاهرةً (فقط)، بل خلاصيّة(أيضًا). لا يقدر يسوع، في أيّ ما فعله، على أن ينزل عن صليبه (مرقس ١٥: ٣٠). أشفق عليهم، وأطعمهم. هذا هو. إنّه يريد الناس دائمًا أحياء. يريدنا دائمًا أحياء.

ليس من كلمة، أفضل من هذه الكلمة، نفحص فيها أنفسنا في كلّ يوم، لا سيّما في هذه الأيّام التي تغزو الكثيرين فيها بيننا أفكارٌ مضطربة عن الله وشركة كنيسته (الصلوات الجماعيّة، المناولة المقدّسة…). الوباء يحكم العالم منذ نحو السنتَين. تعالوا نفحص أنفسنا. الكنائس في الأرض معظمها، في أوان تعاظم انتشار الوباء، اختارت أن تلتزم خدمة الحياة. فتحت أبوابها بانتباه. الوباء لم ينتهِ حكمُهُ بعد. ولكنّنا لم نبقَ جميعنا غافلين عن خطره وعن شروط تجنّب الإصابة به (على أنّه يستعملنا، لينتشر). صار الكثيرون أكثر وعيًا في أمره. الكنائس مفتوحة مثلها مثل معظم البلاد، بانتباهٍ معلوم ونسبٍ معلومة. في هذه الحال وفي غير حال، هل من اللائق أن نخاف من إله يشفق بدعوته إيّانا إلى مائدته؟ هذا فحص خلاصيّ. هذا يلزمنا أن نصالح أنّنا، في كلّ شيء، أجل في كلّ شيء، نحيا بالنعمة. قال التلاميذ ليسوع عن الجموع: «اصرفهم». أجاب: «لا أريد…، لئلاّ يخوِّروا في الطريق». الشفقة ليست عواطف مجرّدة، بل فعل إحياء. يسوع أشفق على الجموع، يسوع يشفق علينا في غير حال، أي يأبى أن نتعرّض للخطر. رفض أن يصرف الجموع، أي رفض أن يموتوا.

هذه واحدة من الكلمات الرئيسة التي يُفترَض أن تسكننا دائمًا، لا سيّما قبل أن ندخل برّيّتنا (أي نتهيّأ للخدمة الإلهيّة بالصلاة والصوم…)، أي أن نقول لأنفسنا بثقة: إنّنا ذاهبون إلى الإله الشفوق الذي لا يريد لنا سوى أن نحيا، اليوم وغدًا. هذا تراثنا أن ليس لنا حياة بعيدًا من الله. لا يقول الإنجيليّ، في تدوينه الحادثة، إنّه بين القوم الذي اجتمعوا حول يسوع كان هناك أشخاص خائفون من ضغط التعب ومن الموت في البرّيّة، بل إنّ هناك إلهًا عظيمًا يشفق على الناس. هذه كلمة مفتوحة على جميع الناس، علينا، على كلّ زمان ومكان، على كلّ اجتماع خلاصيّ. افتحوا آذانكم جيّدًا: ها الإنجيليّ يقول لنا اليوم، في لقاءاتنا وفي أيّ مكان شعرنا فيه بأنّنا مهدّدون، إنّ يسوع ما زال هو هو حاضرًا يشفق على الجمع.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content